الأربعاء، 7 أغسطس 2019

الحب ... لمن لا يعرف

تساءل - ولا زال - الجميع عن معنى الحب ومفهومه ، وإن كان فعلا يحب أو يتوهم ذلك .. ، ويختلف الناس في ثقافاتهم وتكوينهم النفسي والفكري في الحوار وتبادل الرأي بعقلانية حول هذا الموضوع ، فهناك المتدينون الذين يرفضون الكلام عن الحب كعلاقة بين شخصين وإنما الحب لله وللأنبياء ، وهناك من يقول ان الحب لهو ولا وجود له أو أنه وهم يعيش فيه الناس بمخيلتهم ومشاعرهم ، وآراء كثيرة لم يجتمع عليها رأي واحد واضح ، وإن كان ما بالداخل خلاف ما هو بالظاهر وما يرد على اللسان .
الحب في الإسلام : وردت كلمة (الحب) وتصريفاتها كإثبات ونفي وأمر وغيرها في القرآن الكريم 76 مرة ، في آيات مختلفة ، وأشارت إلى حب الله والرسول وأهله وذوي القربى والشهوات والنساء والبنين والأموال والخيل والأنعام والحرث وغيرها كثير.  أما في الحديث النبوي فقد ورد أفضل بحث في ذلك للكاتب / أبو عبد الرحمن مصلح بن زويد العتيبي في كتابه (أحاديث في الحب) حيث صنف الأحاديث التي وردت فيها كلمة (الحب) ودلالتها إلى أربعة أقسام : الأول (في حب الله) وشملت 34 حديثا ، والثاني (حب النبي صلى الله عليه وسلم) وبه 46 حديثا ، والثالث ( حب الصحابة رضي الله عنهم) وفيه 11 حديثا ، والرابع (متفرقات في الحب) وفيه 23 حديثا.
الحب في المسيحية : تعتبر كلمة (الحب) من الكلمات المقدسة ، وكما جاء بالكتاب المقدس في إنجيل يوحنا (من لا يحب لا يعرف الله لأن الله محبة) ، وقد وضحه تفصيلا وصنفه إلى : حب الإيروس (الحب الطفولي أو الأناني الشهواني) ، وحب الفيليا (الحب الإنساني أو الرومانسي) ، والحب الأغابي (الإلهي المسيحي).
والكلام عن (الحب) في الأديان السماوية والأرضية والمعتقدات والفلسفات يحتاج إلى مراجع وموسوعات يضيق بها المجال.
الحب في اللغة : (كما جاء في المراجع) الحبّ: نقيض البغض، والحبّ: الوداد والمحبّة والحُباب بالضمّ: الحبّ، والحُباب أيضاً المحبّة. والحِبً: بالكسر، الحبيب، وجمع الحبّ بالكسر: أحباب، وحبّان، وحبوب، وحبّبه، محرّكة. وحبّه يحبّه، بالكسر، فهو محبوب، وأحبّه فهو محبّ، بالكسر، وهو محبوب على غير قياس، هذا الأكثر، وقد قيل محبّ على القياس، وهو قليل.
الحب كاصطلاح : مفهوم الحبّ في الاصطلاح قبل أن نتعرّف على تعريفات العلماء للحبّ اصطلاحاً تجدر الإشارة إلى عجزهم عن تعريف هذا المصطلح وإدراك حقيقته.
تعريف الحب: الحُبّ هو شعور بالانجذاب والإعجاب نحو شخص ما، أو شيء ما، وقد يُنظر للحبّ على أنّه كيمياء متبادلة بين اثنين، ومن المعروف أنّ الجسم يفرز هرمون الأوكسيتوسين المعروف بهرمون المحبّين أثناء اللقاء بينهم. وكثيرا ما يشبّهون الحبّ بالدّاء أو العِلّة، أمّا مصطلح الغرام فهو يعني حرفيّاً، التَعلُّق بالشّيء تَعلُّقاً لا يُستطاع التَخلّص منه، ويعني أيضاً العذاب الدّائم الملازم. والمغرم هو المولع بالشّيء لا يصبر على مفارقته، وأُغرم بالشيء، أي أولع به، فهو مُغرم.
والحب أنواع ودرجات ، فهناك الحب العذري والشهواني والمثالي والعقلي والحب الخالص المجرد ، وللحب أسماء ودرجات وخصائص جاءت في لغة العرب واختلط الأمر وتداخلت المعاني خصوصا لدى من لا يقرأ ، نذكر منها : الحب – المحبة – الهوى – الصبوة – الشغف – الوجد – العشق – النجوى – الشوق – الوصب – الاستكانة – الود – الخلة (بضم الخاء وتشديد اللام ) – الغرام – الهيام .
بعد كل ما تقدم بالتعريف من كافة النواحي ، وهو بمثابة عناوين رئيسية لمواضيع ضخمة تفتح باب البحث والتقصي التحليلي لمن يرغب ، أقول بأن (الحب) هو إحساس وسلوك إنساني لا إرادي – يمكن التحكم في مظهره ولا يمكن التحكم في تأثيره – لأنه تفاعل بيولوجي كيميائي عصبي ويصل إلى العقل كمركز تجميع لا يمكنه رفض استقبال المعلومات وإن كان بإمكانه التحكم في رد الفعل على المستوى الشخصي والإجتماعي طبقا للضوابط التي تحيط بصاحبها .
وحياتنا ممتلئة بالحب والبغض ، القبول والرفض ، هناك الحب المفروض والذي ليس لك فيه خيار ، وهو حب العشرة (بكسر العين) والملازمة ، مثل حب الأهل الذين نقيم معهم بشكل دائم ، وتتوقف درجة الحب على المعاملة والتقارب ، فتزداد مع المعاملة الطيبة والحنان والاحترام والمشاركة والرعاية وطول مدة المصاحبة ، ويمكن أن تقل تلك الدرجة نسبيا عند سوء المعاملة أو فترات الابتعاد الطويلة ، وتتبقى درجة من الحب كامنة في العمق لأسباب الارتباط الوراثية والجينية.
يليها (حب الاختيار) وهو حب الأصدقاء والجيران الذين أقوم باختيارهم والمفاضلة بينهم والقرب كثيرا من البعض ، وتحديد مسافة التقارب مع آخرين ، او التحييد والإهمال ونسيانهم (وحاليا سنجد منهم كثير) ، وينطبق الأمر على الارتباط بالزواج بشخص آخر تتوفر فيه الشروط المقبولة عقليا واجتماعيا ويترك للمعاشرة والصحبة والمعاملة وزمن التقارب تحديد درجة الحب .
ومن خلال ذلك يكون الحب هو الحاجة الدائمة لوجود هؤلاء الناس في حياتنا ، وإحساسنا بالراحة لوجودهم معنا ، ومنهم من نرى شخصيتنا وأنفسنا وتفكيرنا من خلالهم ، وكل منهم له وقته ودوره ، .... على سبيل المثال ، هناك من أحتاج إلى وجوده في لحظات معينة ، وليس لوقت طويل ، وتأتي أوقات لا نحتاج فيها إلى أحد إلا أن ننفرد بأنفسنا. وهذا الحب تختلط فيه المشاعر والأحاسيس والعقل بدرجات متفاوتة ، ولكن .... هناك منطقة داخلية في العمق تظل خالية لمشاعر خاصة ، ولا يصل إليها إلا شخص واحد فقط ... والتي نعبر عنها ب(الحب ) الذي يتناوله الشعراء والأدباء والفنانون في كافة أعمالهم ، وهي علاقة الارتباط بين الذكر والأنثى ، وهذه المشاعر أو هذه العاطفة الخاصة موجودة ولا يمكن إنكارها ، حتى ولو انكرها الكثيرون باللسان ، ولكن في داخلهم يؤمنون بذلك ، إنها تلك المشاعر التي تفرض نفسها وتبدأ من الداخل لتصل إلى العقل لتشركه رغما عنه ، ومن تقول أو يقول (ليس وقته الآن ... لم أفكر في ذلك بعد ... هذا الموضوع بعيد عن ذهني تماما .... إلخ) فكلهم – مع اعتذاري – مدعون ، إنها التفاعل اللاإرادي الذي إن حدث لا يمكن لشئ أن يوقفه ، لأنه يشمل كل الحواس مجتمعة ، ويكون الطرف الآخر قد أمكنه أن يستحوذ على أدوار كافة الناس في حياتنا ، وبقدر ما حرك كافة الحواس والمشاعر ، فإنه يشغل العقل ويحتل مساحة كبيرة من حياتنا ويكون الإحتياج إليه أكبر ، والمناسبات أكثر ، ولذلك ... فإن انسحب أحدهم من حياة الآخر (والأسباب كثيرة لذلك) فإن الطعنة تكون أعمق والجرح أكبر.
أرجو أن أكون قد قدمت بضع قطرات من سيل ضخم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كن قويا .. ولا تمض في حياتك بدون درع وسيف

لو تأملت في الحياة وكيف تمضي بنا وبتركيز ، ستجد أن نسير في حياتنا على حافة الخطر ، والكوارث تحيط بنا دائما كقنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في ...